في وقت تعيش فيه المنطقة العربية، حالة من التأهب في انتظار طرح مبادرات دولية جديدة لحل القضية الفلسطينية ووقف نزيف الدم الفلسطيني، أجرى مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر جولة جديدة إلى بلدن الشرق الأوسط تتضمن مصر والسعودية والأردن وقطر، في حراك يراه كثيرون بأنه في صلب الإعداد لطرح ما بات يعرف بصفقة القرن المتعلقة بحل الدولتين، والتي مازالت حتى الآن حبيسة التكهنات والتخمينات.
ولكن الواضح هنا أن تأخر طرح «صفقة القرن» المزعومة التي تسميها الولايات المتحدة الأمريكية تسوية في إطار حل الدولتين (فلسطين وإسرائيل)، أو ظهورها للإعلام بشكل واضح، جاء بسبب إنها (الصفقة) لا تزال محل خلاف بين الدول المعنية، كما أنها لا تلاقي ترحيبًا من دول عربية على رأسها مصر، الأمر الذي يتضح أن الصفقة في خطوطها العريضة التي رسمتها الإدارة الأمريكية ومن ورائها إسرائيل المخطط الحقيقي والمستفيد الأول من تطبيقها هو تغيير جوهري في وضع القدس المحتلة.
ورغم ما أثير عن موقف الدول العربية من هذه الصفقة والضغوط التي تمارس عليها للموافقة على بنودها، أعلنت القاهرة عبر بيان لها التزامها بالخطوط الحمراء إزاء القضية الفلسطينية ورفضها أي تسوية لا تستند للمرجعيات الدولية، حيث أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي الخميس الماضي، دعم بلاده للجهود والمبادرات الدولية الرامية للتوصل إلى تسوية، مشددًا على أن أي تسوية يجب أن تكون «طبقا للمرجعيات الدولية المتفق عليها وعلى أساس حل الدولتين وفقاً لحدود 1967، وتكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين».
وكشفت الصحف العبرية عن بعض بنود هذه الصفقة المزعومة التي ترتكز على مسألة قبول الفلسطينيين بأبو ديس عاصمة لدولتهم بدلا من القدس الشرقية، مقابل انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من نحو 5 قرى وأحياء عربية شرقي القدس وشماليها، لتصبح المدينة القديمة بين يدي الحكومة الإسرائيلية، زاعمة صحيفة هارتس أن وادي الأردن سيكون ضمن الصفقة وسيقع تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، علاوة على أن الدولة الفلسطينية ستكون من دون جيش ومنزوعة السلاح ومن دون أي أسلحة ثقيلة، بالإضافة إلى تشكيل خطة اقتصادية لإعادة إعمار قطاع غزة.
ومن قراءة بنود هذه الصفقة التي كشفت عنها الصحافة الإسرائيلية سيبدو لنا كيف تحولت «صفقة القرن» الذي يحمل كوشنر بنودها مؤخرًا من امرأة قبيحة ترفضها فلسطين والدول العربية ببنودها القديمة التي سربتها الصحف العالمية، إلى امراة وضع لها مكياج فصارت أكثر قبحًا ولن يقبلها أحد، حيث أن هذه الصفقة المزعومة ليس فيها ما يبشر بالخير للفلسطينيين، فهي تقضي بإبعادهم عن بلادهم وتوطين «الإسرائيليين» مكانهم مقابل مساعدات تقدمها واشنطن لفلسطين لا تتعدي الملايين.
وقال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات إن «ما يجري حاليا هو دفع شعبنا لفوضى، ويعتقدون أنه بإمكانهم إملاء حل، ونحن في القيادة الفلسطينية سنقول لهم إنه رغم عدم وجود جيش لنا ورغم متاعب الانقسام ومواجهة احتلال عنيف، لكننا لن نوافق على صفقة القرن».
من جانبه قال أستاذ القانون الدولى والقيادى بحركة فتح الدكتور أيمن الرقب إن ما يتم تسريبه بشكل أو بآخر حول «صفقة القرن» هو اقتصار للمشروع الوطني الفلسطيني في غزة وتحويل بعض المدن الفلسطينية إلى كانتونات متقطعة، ما ينهى حلم الفلسطينيين بإنشاء دولتهم على حدود الرابع من حزيران عام 67 وعاصمتها القدس الشرقية.
وأكد الرقب في تصريحات خاصة لـ «صوت الأمة» أن هذه الخطة المزعومة تتنافي مع كل المبادرات الدولية والعربية، الأمر الذي لقى موقف رافض لهذه التسريبات التي خرجت عن الصفقة، التي لا تقل عن ما طرحه بوش الأب وبوش الأبن وكلينتون وأوباما، وهو أقل من ما طرح على السيد أبو عمار في السابق (الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات) ، وبالتالي لا يستطيع أي فلسطيني قبول عرض أقل من العروض التي قدمت للشهيد أبو عمار والتي نطلق عليها إرث أبو عمار.
قطر وضعت اللمسات الأخيرة لصفقة القرن وتوارت عن المشهد
السفير القطري ونائبه شاركا في وضع اللمسات الأخيرة على الخطة الأميركية المقترحة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لافتة إلى أنهما حضرا الاجتماع الثاني بشأن صفقة القرن والذي عقده كبير مستشاري البيت الأبيض جاريد كوشنر في التاسع والعشرين من يناير بمقر وزارة الخارجية الأميركية، بعد يوم من الإعلان عن الخطة الأميركية، وهو ما يتناقض مع ما تروجه قطر عبر أذرعها الإعلامية لمعارضتها.
ويؤكد حضور السفير القطري للاجتماعات موافقة الدوحة على صفقة القرن، وهو الأمر الذي سعت لإخفائه من خلال تعمدها عدم حضور الإعلان الرسمي عن الصفقة الثلاثاء الماضي.
وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورئيس حكومة تسيير الأعمال الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في البيت الأبيض الثلاثاء، بنود وتفاصيل “خطة السلام” الأميركية في الشرق الأوسط المعروفة إعلاميا باسم “صفقة القرن”.
ولتشتيت الانتباه عن موقفها الداعم للصفقة المثيرة للجدل وجهت الدوحة أذرعها الإعلامية لمهاجمة الدول العربية التي شاركت في مؤتمر الإعلان عن الصفقة، وهي سلطنة عمان والبحرين والإمارات.
في المقابل لم يصدر عن الدوحة ما يعكس رفضها الصريح والمباشر للخطة الأميركية، حيث أصدرت وزارة الخارجية بيانا وصف بالفضفاض يندرج في إطار سياسة التخفي وعدم الوضوح التي دأبت الدوحة على انتهاجها.
ورحب البيان بجميع الجهود الرامية إلى تحقيق السلام العادل والمستدام في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأعربت قطر عن تقديرها لمساعي الإدارة الأميركية الحالية لإيجاد حلول للقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، طالما كان ذلك في إطار الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
ويقول مراقبون إن قطر التي كانت من أول الدول العربية التي فتحت قنوات تواصل مع إسرائيل بشكل علني ومستفز للعرب والفلسطينيين تحاول منذ سنوات إيهام الرأي العام العربي بمعاداتها لتل أبيب من خلال تركيز قنواتها ومنصاتها الإعلامية على نشر محتوى إعلامي يدغدغ عواطف الفلسطينيين، مع الاستمرار في استقبال مسؤولين ورياضيين إسرائيليين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق